إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 24 يناير 2016

المرأة العاملة بجبهة النضال مستمرة

23/1/2016م
المرأة العاملة بجبهة النضال مستمرة بتقديم خدماتها الطبية للمواطنين
واصلت لجنة المرأة العاملة بكتلة نضال العمال الذراع العمالي لجبهة النضال الشعبي تنظيم الأيام الطبية المجانيةللمواطنين اللذين أثقلت عليهم الحياة والظروف والأوضاع الاقتصادية الصعبة،في حضور المحامي لؤي المدهون عضو اللجنة المركزية وسكرتير لجنة العمل النقابي والمهني، وحمودة الطوس سكرتير كتلة نضال العمال بقطاع غزة، والفت الندى مسئولة المرأة العاملة في كتلة نضال العمال، ونوال طبش منسقة النقابات التخصصية في كتلة نضال العمال.
وقال المحامي لؤي المدهون سكرتير لجنة العمل النقابي والمهني بالجبهة، انتنظيم اليوم الطبي جاء لتوفير خدمة مجانية للحالات المرضية المسجلة لدى لجنة المرأة العاملة في كتلة نضال العمال للاستفادة من الفحص المجاني في كافة التخصصات الطبية، إيمانا من الجبهة بدور المرأة العاملة في دعم المجتمع المحلي، والمساهمة الرمزية في الرعاية الصحية للمواطنين؛ مشيرا في ذات السياق الى أنالجبهة مستمرة بتقديم خدماتها الإنسانية لاسيما الطبية في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها المواطنين في قطاع غزة.
وطالت خدمات اليوم الطبي الذي اقيم اليوم  نحو 60 حالة مرضية مسجلة لدى اللجنة في محافظتي رفح وخانيونس، قدمت لها العلاج والإرشادات الطبية، وقالت الفت الندى مسئولة لجنة المرأة العاملة في كتلة نضال العمال ان اليوم الطبي شارك فيه أطباء من مختلف التخصصات، حيث شمل على فحوصات لأمراض السكري وضغط الدم والأسنان وفحوصات لكبار السن، ونصائح واستشارات طبية مجانية للنساء والأطفال وإرشاد نفسي للمرضى المحتاجين إضافة الى تقديم مجموعة من العلاجاتمشيرة الى ان لجنة المرأة العاملة ستواصل سلسلة الايام الطبية التي تقيمها بالتعاون مع جهات رسمية واهلية في قطاع غزة .
وقالحمود الطوس سكرتير كتلة نضال العمال أن الكتلة حريصة على تقديم كافة الخدمات الإنسانية لعناصرها وانصارها خاصة الخدمات الطبية بهدف الاطمئنان الدائم على سلامتهم من خلال التعاون والشراكة مع كافة المؤسسات الفلسطينية ذات الاهتمام المشترك. 
وأشار الطوس إلى أن تنظيم اليوم الطبي المجاني للحالات المرضية المسجلة لدى كتلته هو جزء من الأنشطة والفعاليات التي تنظمها كتلة نضال العمال، من أجل تقديم الخدمات الطبية والنصائح الإرشادية لعموم الحالات المرضية المستهدفة. 
وعبر الطوس عن شكره وتقديره للطواقم الطبية على جهودهم المبذولة وعطائهم، وعلى ما أبدوه من تعاون كبير لإنجاح هذا اليوم. 
هذا، وعبرت الحالات المرضية عن سعادتهاوعن شكرهاللجنة المرأة العاملة بكتلة نضال العمال لاهتمامها بهم، وتوفير كافة الإمكانيات التي من شأنها العناية بهم، وتقديم العلاج والتوعية والتثقيف الصحي اللازم لهم.
انتهى،



الخميس، 24 فبراير 2011

ديمقراطية تتنفس بهدوء على طريقة " جين شارب "

ديمقراطية تتنفس بهدوء على طريقة " جين شارب "

   إذا أردتم أن تحققوا حرية ، عدالة ، إنسانية ، حقوق مدنية ، ديمقراطية عامة بلا عنف فعليكم بهذا الكتاب المعنون بـ " من الدكتاتورية إلى الديمقراطية " وهو عبارة عن إطار تصوري للتحرر يتحدث المؤلف " جين شارب " في عشرة فصول مضغوطة من سبعين صفحة مع أخذ الاعتبار أن كل كلمة فيه ، وكل عبارة بين سطوره تشكل خطة وفكرة ودربا لتحقيق أيديولوجية ديمقراطية ، وببساطة أعمق لن تجد في صفحاته هذرا أو مساحة فارغة للثرثرة التي لا معنى لها ..
في الفصل الأول : ( جميع أنواع النضال لها تعقيداتها ولها ثمنها ) ..
يطرح المؤلف عن مواجهة الدكتاتورية بأسلوب واقعي ؛ فالحرية التي تحقق عن طريق العنف تضعنا أمام حقائق بشعة منها : حرب عصابات ، انقلابات عسكرية مستمرة ، تبرير سياسية العنف من خلال الحكومة الدكتاتورية ، اختيار المنفى من قبل الثوريين للهرب من البطش ، ظهور قوى خارجية لها أهدافها ومصالحها الشخصية ..!
وكل ما سبق يؤدي إلى تفشي دكتاتوريات أعتى قسوة من سابقتها ؛ أما بشأن الضغوطات الخارجية التي يستعان بها للتنكيل بالحكومة الدكتاتورية فهي جيدة كما يرى المؤلف ويتبدى عملها في المقاطعات الاقتصادية ، أو فرض حصار ، أو قطع علاقات دبلوماسية ، ولكن المهم جدا هنا هو وجود حركة مقاومة داخلية قوية ؛ لأن غياب هذه الحركة لن يكون هناك ردود فعل دولية ..
في الفصل الثاني : ( ليس كل من يستخدم " سلام " يريد السلام الحر العادل ) ..
في هذا الفصل يسرد المؤلف عن خطورة المفاوضات التي تحاول من خلالها الحكومة الدكتاتورية فرضها على الشعب المناضل ؛ فعندما يكون نظام الحكم الدكتاتوري قويا ولكن يعاني من وجود مقاومة تقلق مضاجعه فإنه يعرض تفاوضا على المعارضة ؛ لكي يجرها نحو الاستسلام تحت شعار : " صنع السلام " ..
فلحكام الدكتاتوريين دوافع مختلفة مضمرة في هيمنتهم ، وهم يسعون لفعل ما بوسعهم للحفاظ عليها ، مهما كانت الوعود التي يقدمونها فهي تصب في اتجاه تأمين خنوع خصومهم من الحركات الديمقراطية ..!
بالمقاومة يتم تحقيق الأهداف لا التفاوض الذي يأتي أهميته حين انسحاب أو سقوط الحكم السابق ، وقد يستغرق هذا وقتا حتى تضعف الأنظمة الدكتاتورية ، فعبر التاريخ كما يرى المؤلف استغرق انهيار الحكم الشيوعي في بولندا عشر سنوات ، في حين انهار في ألمانيا خلال أسابيع ..
في الفصل الثالث : ( يحكم بعض الرجال شعوبهم بإتباع الخدع ، لا المبادئ الأخلاقية ، هؤلاء الحكام يشبهون سيد القردة ، فهم لا يعون تشوش أذهانهم ولا يدركون أنه في اللحظة التي يدرك الناس أمرهم ينتهي مفعول خدعهم ) ..
القصة " أسطورة سيد القرود " يحكيها المؤلف في هذا الفصل ، وهي أسطورة صينية من القرن الرابع عشر كتبها  " ليو جي " ، فقد كان هناك رجل إقطاعي عجوز يعيش بفضل قردته الذين يقدمون له الولاء والخدمة ، فكان يجمع القردة كل صباح في ساحته ويأمر أكبرها أن يقودهم إلى الجبال لجمع الفاكهة من الأجمة المختلفة ، وكان سيد القرود يفرض على قردته قاعدة وهي أن يقدم كل قرد عشر ما جمع إليه ، والويل لكل من يتخلف بجلده دون رحمة ، كانت معاناة القردة جسيمة ولكنها لم تكن تجسر على الشكوى ، وفي يوم طرح قرد صغير سؤالا على القرود الآخرين قائلا لهم : هل زرع الرجل جميع أشجار الفاكهة والأجمة ؟ فأجابوه : لا ، إنها تنمو وحدها .. فقال القرد الصغير : لماذا إذا نعتمد على الرجل العجوز ، ولماذا علينا أن نخدمه ..؟! .. ففرت القردة من أقفاصها التي مزقتها ليلا إلى الغابة ، وفي النهاية مات العجوز جوعا ..
في الفصل الرابع : ( فبالرغم من مظهرها القوي إلا أن أنظمة الحكم الدكتاتورية لديها نقاط ضعف وتعاني من عدم الكفاءة وهناك منافسات شخصية بين أفرادها وتعاني مؤسساتها من عدم الفعالية وهناك نزاعات بين منظماتها ودوائرها ) ..
سرد المؤلف هنا قصة " كعب أخيل " المعروفة عبر التاريخ ، الذي كان لديه مناعة ضد كل أنواع الأسلحة بفضل المياه السحرية التي استحم بها في مياه نهر ستايكس ، وهو بعد طفلا صغيرا ولكن أمه فاتتها وضع كعبيه في الماء ، وحينما علمت إحدى القوى بذلك استطاعت ضربة قاتلة منها أن تستقر في كعبه ..
حشد المؤلف نقاط ضعف كثيرة ولعل من أهمها هو سحب التعاون ما بين العامة والمجموعات والمؤسسات وهي مهمة لتشغيل النظام ..
في الفصل الخامس : ( الخيار العسكري واستخدام الأسلحة والذخائر والتكنولوجيا العسكرية وما إلى ذلك ضد الأنظمة الدكتاتورية لا تؤثر في مواطن ضعف هذه الأنظمة ، إنما يبرر لها استخدام قوتها الآتية ويضع حركات المقاومة في موقف ضعف لا تحسد عليه ؛ لأن الأنظمة الدكتاتورية غالبا ما تتمتع بالتفوق العسكري والتكنولوجيا العسكرية .. الحل هو " التحدي السياسي " ..)
السؤال : ما هو التحدي السياسي ..؟
يجب ألا ننسى أن هذه الكتاب يدعو إلى " اللاعنف " والتحدي السياسي هو من أهم أساليب اللاعنف ؛ حيث أنه يستخدم الأسلحة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمواطنين ولمؤسسات المجتمع ، وقد أطلق على هذه الأساليب عدة أسماء مثل : الاحتجاجات ، والإضرابات ، واللاتعاون ، والمقاطعات ، وسحب الولاء وسلطة الشعب .
وقد عرض الكتاب عدة أساليب أخرى لتحقيق سياسات اللاعنف ، إضافة إلى آليات للتغيير وأهمها أربعة وهي : ( التحول / اللاعنف والتفكك / التأقلم / تفكك ) ، ويعنى بـ" التحول " وهي الآلية أقل ترجيحا بالرغم من حدوثها ، وهي عندما تتحرك عواطف الخصوم من خلال تأثرهم بالمعاناة والاضطهاد المفروضين على المقاومين الشجعان الذين يناضلون من خلال أساليب اللاعنف  ، بينما عندما ينظر إلى مطالب المعارضة أثناء حملة محدودة بأنها غير خطيرة لهذا توضع على المحك وهو ما يسمى بـ " التأقلم " ، ومسميات " اللاعنف والتفكك " و " التفكك " حينما لا يستطيع الخصوم التصرف كما يحلو لهم من خلال تغيير حالة النزاع والمجتمع ..
في الفصل السادس : ( يؤدي افتقاد حركات المقاومة الديمقراطية إلى التخطيط إلى نتائج وخيمة ؛ لأنها جعلت الظروف تتحكم باتخاذ قرارات مصيرية ، فضلا عن ذلك إن افتقار التخطيط في كيفية تسيير التحول إلى النظام الدكتاتوري ساهم في ظهور ديكتاتوريات جديدة حتى بعد القضاء على الأنظمة الدكتاتورية السابقة ) ..
يوضح المؤلف في هذا الفصل المقصود بـ " تخطيط إستراتيجية " بأنه إعداد طريق عمل تجعل من الانتقال من الوضع الحالي إلى الوضع المستقبلي المرغوب أمرا أكثر ترجيحا ، وتتكون الخطة التي تمكننا من الوصول إلى ذلك الهدف من سلسلة من الحملات ، والنشاطات المنظمة ، والأخرى المصممة ؛ لتقوية الشعب والمجتمع الراضخين تحت نير الاضطهاد وإضعاف الدكتاتورية .
فليس وحده الإخلاص للمثاليات ، والأهداف الإنسانية تحقق الحرية وتقضي على الدكتاتورية .
في الفصل السابع : ( الأخذ في الاعتبار بأن لا يوجد وضعان متشابهان تماما ، ولكل نظام حكم دكتاتوري خصائصه الفردية ، وتختلف أيضا قدرات كل شعب يسعى من أجل الحرية عن قدرات الشعوب الأخرى ) ..
هنا على المناضلين الالتفات إلى أهدافهم والعواقب التي في طريقها ، ومعرفة نقاط قوة وضعف السلطة الدكتاتورية التي يواجهونها مع معرفة نقاط قوتهم وضعفهم في هذا النضال .
في الفصل الثامن : ( تحويل مسؤوليات النضال إلى مجموعة مختلفة من السكان وحشد مصادر قوة إضافية وتطوير مسارات جديدة للعمل ) .
هنا يمارس التحدي السياسي عن طريق نشر المسؤوليات ، كل جهة تقوم بمقاومة ، فالطلاب في المدارس يعلنون الإضراب عن مدارسها ، والعمال عن المصانع ، والقادة الدينيون يركزون على الحريات الدينية ، والكتاب والصحفيون يطالبون بفتح باب الحريات وإغلاق القمع .. وهلم جرا . وكلها تستهدف القوة الدكتاتورية ويمكن هنا كسب تحالفات أخرى يكون لها أشد أهمية لعل من أهمها قوة الجيش وجعله يتعاطف معهم .
الفصل التاسع : ( يستمد نظام الحاكم شرعيته من الطاعة والتعاون الذي يحصل عليه ، وعندما ينفذ " اللاتعاون " بواسطة قطاعات كبيرة من السكان فإن هذا يشكل خطرا كبيرا على النظام الحاكم ، فمثلا إذا توقف موظفي الحكومة عن العمل بفعاليتهم المعتادة أو حتى إذا بقوا في بيوتهم فإن هذا يضر بالأجهزة الإدارية بشكل خطير ) ..
يرى المؤلف أنه كلما تضاعفت سيطرة الديمقراطية على مصادر الاقتصاد والأملاك والمواصلات ووسائل الاتصالات كلما ضعفت وانهارت القوة الدكتاتورية ، وفي حال قيام الحكام الدكتاتوريين التهديد بالقوة ضد المتظاهرين ، فإن هذه القوة تضعف من خلال طريقتين مهمتين هما :
1 ـ إذا كان المواطنون مستعدون كما هو الحال في الحرب للمخاطرة بنتائج خطيرة كثمن للتحدي .
2 ـ إذا قامت الشرطة والقوات العسكرية بسحب ولائها ، سواء كان هذا الولاء فرديا أو جماعيا أو عند رفضهم القيام بتجنب أو رفض مباشر لأوامر الاعتقال ، والضرب وإطلاق النار على المقاومين ..
الفصل العاشر : ( يعتبر تفكك نظام الحكم الدكتاتوري سببا لاحتفال عظيم ) ..
مع الاحتفال ينبغي الاهتمام بأن لا يكون ثمة فراغ في السلطة يمكن من خلاله أن يفغر أطماع الكثيرين ، والمهم جدا هو الاستعجال في عمل انتخابات نزيهة ؛ كي يتولى الشخص المناسب المكان المناسب ..
وفي الصفحات الأخيرة من الكتاب ثمة " ملحق لأساليب العمل باستخدام اللاعنف " وقد حشد المؤلف أساليبا كثيرة ومتنوعة مثل :
-   تصريحات رسمية : ( خطابات للجهات العليا ، رسائل معارضة أو تأييد ، بيانات تصدر عن مؤسسات ، تصريحات علنية موقعة ...)
-       مخاطبة الجماهير العريضة : ( شعارات وكاريكاتيرات ورموز ، لافتات وملصقات ، كتب وكتيبات ....)
-       احتجاجات جماعية : ( انتخابات صورية هزلية ، تفويض ، اعتصامات ....) .
-       أعمال رمزية عامة : ( رفع أعلام ، الصلاة والعبادة ، عرض لوحات فنية معبرة ...) .
إضافة إلى أساليب أخرى كالمسرح والموسيقى والغناء ، المواكب ، تكريم الموتى ، التجمعات الشعبية ، الإضرابات ، والتدخل السياسي والاقتصادي والنفسي والاجتماعي .....إلى لا آخره .

يضع المؤلف في الختام قولا شائعا : " لا تأتي الحرية مجانا " ، وهو قول يؤكد على صحته .




ليلى البلوشي

الخميس، 20 يناير 2011

في أسئلة الثقافة

من أجل منازلة فكرية وثقافية لتحويل الراهن إلى أفق أوسع:


في أسئلة الثقافة


عبد الرحمان غانمي



         ليس من المبالغة في شيء ، إذا اعتبرنا أن الوضع الثقافي وواجهته المعرفية والاعتبارية، في مختلف الفروع، مثير للقلق والتساؤل، وعلله كثيرة، وهو شأن لا يمكن لجهة أو طرف ما، مهما علت أو علا "وزنها" أن تستأسد في احتكاره بكل جرأة وقحة، حفظه وإلزامه بالوصاية القهرية الجبانة. إن شأن الثقافة المغربية بكل مكوناتها ومرجعياتها وتطلعاتها أيضا، والمثقف والمؤسسات العلمية، يهم جميع المنشغلين بها وبقضايا المجتمع، وأسئلة المثقف وقبل ذلك، لا يمكن أن نتحدث عن مجتمع بذاكرته الزاخرة يحاور راهنه بدون رؤية ثقافية حية ومتجددة، تتخذ مؤسساته من الإقصاء والإلغاء وسيلة لتكريس الصور المبتذلة من أنماط الثقافة والمنظورات العتيقة على مستوى تشغيل آلياتها الصدئة.

         هو وضع إذن لا يكفي الوقوف عند تشخيصه، أو تناوله لأغراض ظرفية وإيديولوجية صرفة وفجة،  لمجاوزة ما هو سائد ورديء لأن ذلك لن يخدم أبدا قضايا وأسئلة الثقافة والمثقف، وفي صميمها الدولة والمجتمع.

         كل هذا يدعونا إلى ضرورة جعل الثقافة بمخزوناتها، والمثقف بأدواره السوسيولوجية محفزا لترسيخ قيم الحضارة وعناصر التعدد واختلاف وجهات النظر. وهو ما سيمكن من إعادة تصحيح الاختلالات والشقوق التي تطول الوضع الثقافي العام، بعد أن مالت الكفة نحو تفريغ الثقافة من محتوياتها، وغدت مجرد عكاز خرب لقضاء مآرب غير ثقافية، تعلق الأمر بالمصالح الشخصية والانتهازية مثل التموقع والترقي الاجتماعيين أو غير ذلك من الغايات، من خلال البحث عن الوسائل التي تمكن الأشخاص من احتلال الصفوف الأمامية باسم الثقافة والمثقف، حتى وإن كان هذان الجناحان يقبعان في الصفوف الخلفية من الصورة، أو لي ذراع الثقافة وتوجيه بوصلتها نحو تقديم الولاء لبعض النزوعات السياسية والإيديولوجية الضيقة، التي تجعل من نفسها المرجع الواحد والوحيد، لأي مشروع وحراك ثقافيين، يروم مصادرة الثقافة، وشل حركة المثقف، وتعطيل عقله، بعد أن يتم تدجينه وتهجينه في أفق تحويله إلى أيقونة ميتة، في ضوء تهشيم أدوات تفكيره.

         فلا غرو، إذن، أن تتدحرج الثقافة (ومعها المثقف) إلى شفا حفرة سحيقة، فالمنتوج الثقافي في المشهد الإعلامي المكتوب والمرئي أصبح هزيلا، وبدون رؤيا، أحيانا إلى حد السخافة، أكثر مما كان في وقوت سابقة وعصيبة، أما السياسة الثقافية فليست لها أية اختيارات إستراتيجية تدبيرية ومادية يمكن أن تخلق البيئة الحاضنة للثقافة والمولدة للإنتاجات والأسئلة الثقافية، وفي اعتقادنا أن المثقف أصبح يعيش عزلة حارقة ومؤلمة في صمت مطبق، أشبه بالنفي الإجباري أو الاختياري لديه، مادامت النتائج واحدة، وبناء عليه لا يمكن أن تخرج الثقافة من وضعيتها الراهنة من تلقاء ذاتها. مثلما أنه لا يمكن للمثقف أن يضطلع بأدواره الاجتماعية والثقافية بمعزل عن انخراطه في مختلف الشؤون والقضايا والأسئلة المرتبطة بكيانه، وبما هو خارج عزلته الجوانية. فالمثقف ليس معنيا فقط بأسئلته الذاتية وبحساباته الشخصية ومصالحه المتضخمة والمتورمة في ظل التحولات المجتمعية العميقة وإنما مطروح عليه أن يكون رافدا أساسيا لفتح كوات في هذا الواقع الثقافي المنقاد للمجهول والمتحصن في زاوية مغلقة، بعد أن ابتلي المحيط الثقافي بما يمور في المجتمع من علائق مبنية على الانتهازية والسمسرة والوساطات، وهو ما شكل انقلابا جوهريا في الثقافة ومفهومها ووظيفتها المتعددة. وأيضا المثقف الذي كان عنصرا فاعلا في التغيير وطرح الأفكار والبدائل، وبذلك كانت الثقافة والممارسة الثقافية حصنا منيعا في مواجهة قيم المسخ والتشوه والعزل والانحطاط، وهو ما ساهم في نقاشات ثقافية خصبة، وإنتاجات فكرية وفلسفية وأدبية لافتة.

         أما حال اليوم، فيدعو إلى الشفقة، وفي نفس الوقت إلى خوض منازلة فكرية وثقافية من أجل تحويل الراهن إلى أفق أوسع.

الثلاثاء، 18 يناير 2011

نمر سعدب بين اللازورد الموسيقي والتاريخ


نمر سعدي بين اللازورد الموسيقى والتاريخ


   نور عامر




" اللازورد " من الأحجار الكريمة  لونه أزرق سماوي، ايحائات الألوان، الأزرق الإمتداد والبعد .
مفردة تتردد كثيرا في شعر نمر سعدي، ديوانه الرائع "موسيقى مرئية" يدخل اللون في البحوث السايكولوجية، لم تأت مفردة اللازورد عبثا في شعر نمر سعدي، ربما هي تعبير  لا واع عن نفس تتطلع الى الطموح التحرر والسمو.
لدينا في هذا الديوان خميلة ثرية  متعددة المزايا والمضامين، والميزة الجليّة، الرؤية المشبعة ثقافة وعمقا، لا سيما السياق التاريخي بمعناه الأدبي، أي ان الشاعر الفنان يكتب تاريخ عصره بأحاسيسه ومشاعره الإنسانية. والشعر يُعتمد عليه في الكشف عن تاريخ الأمم. فلولا الشعر ما عرف تاريخ العرب  في الجاهلية. وعندما أراد الأديب الفرنسي "باسكيه" أن يضع كتابا عن الحياة الوطنية في القرون الوسطى لم يجد سبيلا إلا قراءة شعر الملاحم.
ونحن كمثال لم نع شعورا  وإحساسا حقبة سوداء من تاريخ العراق لولا قصيدة السياب "سربروس في بابل"  الموجهة ضد حكم عبد الكريم قاسم، وقد خفيت عن الرقابة. سربروس هو الكلب الحارس لمملكة الموت في أساطير الإغريق .
وهكذا ينداح سلطان الشعر ليزاول تأثيره جغرافيا وأدبيا، يمتد حضور السياب الى قصيدة موسيقى مرئية : " من قاع نهر بويب تصعد لهفة السّياب / يأتي صوته المحمول فوق الريح/ يصرخ في عراء الروح / يعصف بي كورد غامض المعنى / يعانق داخلي المجروح " .
يمكن أن نحلل قليلا استضافة السياب في النص باكثر من مغزى: جدلية الموت والحياة تستيقظ وتتداخل ..
السياب مات، لكن كلمته الصادقة لا تموت، صوته ما زال يجأر في ضمير العالم. وليس التأثر بالسياب هو الدافع الرئيس في هذا السياق، إنما نقطة الإلتقاء تؤكد وتحقق العلاقة وجودا وحركة  بين مرحلتين حرجتين من حيث ظلم الإنسان للإنسان، مرحلة السياب ومرحلة واقعنا العربي المأساوي. هكذا أفهم المسألة في المستوى البسيط، كذلك أفهم وبنفس المستوى الإشارة الى أمرئ القيس، كواحد من الشعراء الفحول وعى مأساته عقليا، في ليله الطويل.. وفي نبيذه..
إمرأ القيس لا يبدو دخيلا على النص أو نافرا عنه، بل هو مضفور في النص معنى ومبنى. وهذه من التقنيات الهامة في الشعر الحديث .
نص نقرؤه قراءة متئدة بغية استيعابه ترميزا ومغزى :
" في ليلة ما عندما يصحو الندى في حنطة الأيام / سوف يضيئني وجعي الذي أدمنته زمنا ... / وتركض في مفاصل وردتي نار المجوس... / يحيلني ندمي الى أنقاض فردوس / يحيل دمي فقاعات النبيذ المرّ في قلب امرئ القيس / المعذب  بالجمال الحرّ أو بلحاق قيصر " .
كاد نمر سعدي باعتماده قليلا على الإيحاءات الخارجية أن يعيدني الى بول فاليري "إذا آمن الشاعر بالوحي قتل الإبداع  " .
لكن ايحاءات سعدي التي تتولّد فيه هي الغالبة، وهي تتلّون حسا مرهفا، حدسا وموسيقى. من هذه المقومات نستنبط الجمالية ذوقا ومتعة، من خلال جمال الفكرة واللفظة والعبارة والاسلوب:
" كان على ناصية الحلم يناديني / وكنت متعبا أبحث عن سماء / كان يؤاخي صمته المنقوع بالنار / ويرفو غصّة الهواء بالأشجار والنساء / كان ... / وكنت متعبا أبحث في الجحيم /  عن فراشة من ماء " .
وإذا أخذنا الموسيقى في هذا الديوان كموضوع مستقل، نجدها تارة خالية من الصخب والأوتار التي تدق حركة الأذن؛ موسيقى هادئة صدى وإيقاعا، تدغدغ الشعور نقاوة وصفاء.  وطورا موسيقى بالكاد تسمع ! .
ومرد ذلك في اعتقادي أن الشاعر يتأرجح في عالمه الشعري بين حالتين، حالة الحدس والخيال والإحساس المرهف، وهذه تستدعي موسيقى معينة كضرورة لتحقيق الجمالية الأكثر ثراء لمثل هذا المناخ .
والحالة الثانية نزوع الشاعر ــ أحيانا ــ الى الواقعية والجد في طرح أفكاره وبث رؤياه، الى درجة انه يمنطق المسألة، أو يحاول فلسفتها؛ فتنخفض عنده عاطفة الجمال، لذلك يخفت صوت الموسيقى أمام حاجز الواقع شبه المجرد، أو الواقع الموحش بدرجة لا تسمح للنغم أن يتأود أو يتألق .
وعموما لا تثريب في الشعر إن خفَت فيه صوت الموسيقى، باعتبار أن مفهوم موسيقى الشعر في العصر الحديث قد تغيّر وتبدل، وأصبحت الموسيقى الحسية ذات الدلالة والإيحاء تنافس موسيقى الصوت والنبرة بألوانها ولهجاتها، فوق المنابر والمحافل، وفي طيات الكتب. ولذلك أسباب وظروف موضوعية لا متسع لشرحها الآن.
كلمة أخيرة،  هذا العمل الإبداعي "موسيقى مرئية" حقيقة أنه يحتاج الى أكثر من وقفة وأكثر من مقال،  لما يضم بين دفتيه من موضوعات كثيرة خصبة ذات شحنة تعبيرية معبأة بالتجربة والعاطفة والخيال .


 

نور عامر ناقد وكاتب فلسطيني يقيم في الجليل/ فلسطين

الثلاثاء، 11 يناير 2011

مجموعة قصائد / 7


مجموعة قصائد / 7


نمر سعدي




شفتايَ ينبوعانِ من عطشٍ

شفتايَ ينبوعانِ من عطشٍ
وروحي جذوةٌ بيضاءُ ملءَ الليلِ..
فوقَ أصابعي مليونُ عصفورٍ يُشرِّدُهُ الشتاءُ..
يدايَ مجدافا ظلامٍ في الحريرِ البضِّ..
ماذا بعدَ هذا الصمتِ من لغةٍ...؟
وكيفَ أُعيدُ ما انتقصَ الزمانُ من الجمانِ الرخصِ
ما انتقصَ المكانُ من الحنينِ إليكِ؟
يا رؤيا الحصانِ
وطهرَ ما في الحلمِ من وجعِ البيانِ.

*********

كأنَّها شبحٌ أمامي

لا ماءَ في المرآةِ أُبصرُهُ
لأرفعَ من غيابكَ صخرةً أخرى
على قلبي المُهشَّمِ مثلَ ذرِّ الملحِ..
أنهرُ عن دموعكَ شبهةَ الضحكاتِ عندَ الفجرِ
تقتلني الحقيقةُ بالرصاصاتِ العجافِ
وبالهواءِ الأجنبيِّ
وغدرِ أشباهِ الرجالِ
الميِّتينَ على حُطامي
..............
يدُكَ المصابةُ بالرذاذِ وبالنعاسِ وبالجنونِ
كأنَّها شبحٌ أمامي.

*********

عقلٌ أعمى

على يدهِ ينامُ الصبحُ
ليلُ الفرفحينةِ في خبايا قلبهِ يدمى
يمرُّ كما تمرُّ الوردةُ البيضاءُ بي
في البرزخِ الفضيِّ
بكلِّ أمومةِ الأرضِ
على يدهِ أنامُ بغيرِ شوكِ الحاضرِ المُفضي
إلى مستقبلٍ في قاعِ هاويةٍ من اللعناتِ ...
مشطوراً إلى نصفينِ أُبصرُ عقلهُ الأعمى.

********

أُصغي إلى قلبِ أوفيليا


قليلاً ويأتي برابرةٌ أجنبيُّونَ فوقَ بساطِ السلامْ
ويغتسلونَ بماءِ دواوينِ شعرِ العرَبْ
قليلاً وينتصرُ الذئبُ فيَّ على ظبيةٍ
من حريرِ الخزامْ
قليلاً وأخلعُ عن منكبيَّ غبارَ التعبْ
جسدي زورقٌ لاشتهاءاتهِ
ودمي نورسٌ من رمادِ الغضبْ
قليلاً ويأتي برابرةٌ آخرونَ
وينتحرونَ فُرادى وراءَ سماءِ الجحيمِ
قليلاً قليلاً
وأُصغي إلى قلبِ أوفيليا
في صميمِ الرخامْ.

********

وحدي

أعترفُ الآنْ
وبكاملِ جموحِ رمبو أنني وحدي
رغمَ كلِّ القلوبِ الطيِّبةِ والمباركةِ
التي تحُفُّني وتحرسُني كأعينِ الملائكةِ في السماءْ
ولأنني أعيشُ وحدي
بمزاجيَّةِ روحي
فقد تكالبَ عليَّ اللصُّ والصعلوكُ
والزنديقُ والمنافقُ والعاهرُ والفاجرُ
وتكالبتْ عليَّ أيضاً كلابُ الشوارعْ
وفي كلِّ ليلةٍ أتحسَّسُّ خنجرَ بروتوسَ
المغروزَ في ظهري كما أتحسَّسُّ أصابعي.

**********

نورسانِ من الماءِ

نورسانِ من الماءِ
يقتسمانِ خطايا البنفسجِ طولَ النهارِ
كما يتقاسمُ روحي الرعاعْ
نورسانِ فقيرانِ فقرَ الرمالِ وفقرَ الفراشاتِ
والأُغنياتِ على وطنٍ من سرابٍ مُضاعْ
يحملانِ دمي في البحارِ التي قتلتْ سندبادَ
وغطَّتْ شعاعَ ابتسامتهِ ببقايا شراعْ.

*********

حريرُ الوعولْ

ندَمي طافحٌ كالعناقيدِ
مُستسلمٌ... مُفعمٌ بالصراخِ وملحِ سدومَ
كأنَّ انتحابَ الصباحِ الخفيَّ
يُضيءُ دمَ الحبرِ في كلماتي
كأني أسيرُ إلى هُوَّةٍ الخلفِ من دونِ معنى
كأنَّ حياتي تعودُ إلى نطفةٍ في فراغِ الزمانِ ...
فهل سوفَ أرجعُ من قبرِ عامورةَ الإثمِ
ذاتَ ضحىً لسماءِ الجليلْ؟
..................
مزَّقتني ذئابُ القبيلةِ مثلَ حريرِ الوعولْ.







الأحد، 2 يناير 2011

لقُ الحياةْ

قلقُ الحياةْ


 نمر سعدي



متدثِّراً بعباءةِ الأمطارِ
كانَ شجارُهُ مع نفسهِ يشتدُّ
يُولمُ للذئابِ خرابَهُ العالي
ويُصغي للرياحِ بقلبهِ قبلَ انهمارِ البرقِ
قبلَ هبوبهِ
متصالحاً مع رغبةٍ عمياءَ
تحملُهُ على أمواجها
وتحضُّهُ في الوحدةِ الزرقاءِ
كيْ يبكي.....
يقولُ بأنَّ دمعاً ما خفيَّاً عاطراً
قد راحَ ينـزفُ من دماءِ نسائهِ كندىً خُرافيٍّ
وأنَّ ملاءةً في روحهِ احترقَتْ بغصنِ فراشةٍ
أو لمسةٍ من إصبعٍ 
مرجانُهُ في القاعِ ينتحبُ احمراراً صامتاً أو غامضاً....
لا شيءَ ينهرُ عن هسيسِ النارِ أعضائي
أنا بجريرتي الأولى أعيشُ مُتوِّجاً قلقَ الحياةْ

مُتأمِّلاً فيما وراءَ كلامِ شيخِ الحبِّ
حيثُ ينامُ في أقصى دمشقَ متيَّماً ومُقوَّماً
بالوردِ لا بالسيفِ
مفتوحاً على الدنيا كصفحةِ لوعةٍ بيضاءَ اغريقيَّةٍ...
أو فاتحاً أسوارَها في العشقِ أو أسرارَها
ومُهذِّباً في كلِّ طفلٍ أمردٍ شبقَ المياهْ

إنِّي أراهُ ولا أراهْ
وأشمُّ خطوَ زمانهِ المنسيِّ بالعينينِ
أُسلمهُ لعاطفتي وأضلاعي
وتسملُني بلا إثمٍ يداهْ
هو حصَّتي ممَّا يقضُّ الأرضَ والنعناعَ
سلَّمُ فكرتي المكسورُ والمنخورُ
شهوةُ ذاتهِ وهوى سِواهْ

مُتطَّهراً من نزوةِ التفكيرِ
أنفضُ عن غدي المصقولِ مثلَ أظافرِ الأفعى
رذاذَ النومِ.....
أستلُّ الحقيقةَ من جواريرِ الصباحِ
ملمِّعاً بالدمعِ والتقبيلِ.... ذُلِّ الشاعريَّةِ
كلَّ ما في أسطري المُلغاةِ من صَدأٍ 
ينامُ على الشفاهْ

لا قوسَ في هذا المدى العاري
يشدُّ سنا خطاكِ
إلى أديمِ الظَهرِ مُجترحاً رؤايْ
لا كأسَ يجمعُ ما تناثرَ منكِ
فوقَ صدى خُطايْ
وأنا سليلُ الحالمينَ المتعبينَ الطيِّبينَ
الذاهبينَ إلى سدومَ بحزنهم وبخيطِ نايْ

قلقُ الحياةِ يحضُّني في الوحدةِ الزرقاءِ
كيْ أبكي على نفسي
كما لو كنتُ إنساناً سوايْ
  


كانون ثاني 2010







الخميس، 23 ديسمبر 2010

الأديب الساخر



الأديب الساخر .. حسيب كيالي

جاء الأديب السوري حسيب كيالي (1921 – 1993 ) إلى موسكو في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين للعمل في دار " التقدم " للنشر حاملا معه ظرفه وخفة دمه وحذلقته في الكلام مما جعله فورا في مركز اهتمام " المجتمع العربي" المحلي وكذلك مجتمع المستعربين الروس. وكان ما إن  يدخل غرفة العمل حتى يتحول جو السكون والركود إلى موجة من الضحك والسخرية الطريفة. لكن حسيب الأديب كان فورا ينتقل من الهزل إلى الجد حين يدور الكلام عن اللغة العربية وقدراتها في التعبير حتى عن اغرب الألفاظ الأجنبية. وبالرغم من انه كان يترجم الأدب الروسي من الفرنسية إلى العربية لأنه كان لا يجيد اللغة الروسية فقد كان يدرك برهافة في الحس خصوصية المجتمع الروسي وعقلية ونفسية الانسان الروسي. وقد أغنى المكتبة العربية بتراجم أعمال ليرمنتوف وبوشكين وتولستوي وغيرهم من الادباء الكلاسيكيين الروس . كما يعود اليه الفضل في تعريف القارئ العربي بنفائس الادب الفرنسي حين نشر كتابه " الادب الفرنسي في عصره الذهبي" في الخمسينيات.
وقد تزوج حسيب  المستعربة الروسية ايليانورا بوبيلوفا وانجب منها ابنته المستعربة لاحقا اميمة. لكن فترة بقائه في موسكو لم تدم سوى ثلاثة اعوام حيث عاد الى دمشق . وسرعان ما تلقت زوجته الروسية نبأ زجه في السجن بسبب ميوله اليسارية ، ومن ثم منعه من مغادرة سورية لفترة طويلة كما ابلغها في رسائله. لكنه واصل نشاطه الادبي في وطنه لاحقا بنشر المجموعات القصصية والاعمال المسرحية والمسلسلات التلفزيونية. ومن ثم انتقل للأقامة في دبي واقامة جسر تواصل ادبي بين وطنه والامارات الخليجية. وتوفي ووري الذرى هناك في 6 يوليو/تموز عام 1993 .
يعتقد الدارسون لأبداع حسيب كيالي انه تأثر كثيرا بأعمال تشيخوف وجوجول وتولستوي وغيرهم من الادباء الروس واقتبس منهم اسلوب السخرية الرقيقة دون الغلو فيها واعتماد حياة بسطاء الناس وطرائف المجتمع الشعبي كاساس للمادة الادبية.
 وقد كتب محمد كامل الخطيب في تقديمه للأعمال القصصية الكاملة لحسيب كيالي والتي قامت وزارة الثقافة السورية بجمعها وطباعتها في عام 2006 يقول:
"هي مهمة شاقة، كثيرة الأشواك، أن تكشف عن حقيقة بسطاء الناس عندنا، عن حقيقة جماهيرنا، قام بها حسيب على أكمل وجه، برشاقة عذبة، أما اللغة التي تناول بها هذا الموضوع الزخار، فقد جهد فيها، أن يقرب الشقة بين الفصحى القابعة بكل جلال في بطون الكتب، وبين الدارجة التي تحيا في كل مكان، وبذلك أغنى لغة الكتابة بذخيرة من الألفاظ ، بلغت بأبسط وصف أن تنقل أفكاره واضحة إلى القارئ..
عندما يذكر حسيب كيالي بين كتاب العربية يشار إليه على أنه واحد من مؤسسي فن القص في اللغة العربية وخاصة في سورية بوصفه رصيفاً، أو شريكاً لابراهيم عبد القادر المازني الذي يمكن أن يدعى بالكاتب – الأسلوب وربما كانا من أهم الكتاب في اللغة العربية اللذين يمكن لك أن تميز كتاباتهما دون توقيع.
حسيب كيالي أستاذ ومعلم وهو الوحيد في سورية الذي صنع مدرسة خاصة به وترك تلاميذ يعلنون كل يوم بأنهم "أبناء حسيب كيالي".
ولد في إدلب في شمال سورية عام 1921 وتوفي عام 1993.

تلقى تعليمه الابتدائي في إدلب والثانوي في حلب وتخرج في جامعة دمشق مجازاً في الحقوق. توفي في دبي عام 1993.

عمل في الترجمة والصحافة والإذاعة.

من مؤلفاته:

1- مع الناس – قصص بيروت 1952

2- أخبار من البلد – قصص ، بيروت 1954

3- مكاتيب الغرام – رواية ، بيروت 1956

4- الناسك والحصاد، مسرحية شعرية ، دمشق 1969

5- أجراس البنفسج الصغيرة – رواية ، بيروت 1970

6- رحلة جدارية – قصص ، دمشق 1971

7- من حكايات ابن العم – قصص 1992

8- نعيمة زعفران – رواية 1993

وأعمال كثيرة أخرى.
"على الكاتب أن يكلف نفسه مشقة الإفهام، وليس على القارئ أن يكلف نفسه مشقة حل الرموز والأحاجي. فالأدب كاللغة وسيلة من وسائل الاتصال بين الناس" هكذا قال الياس أبو شبكة منذ الثلاثينيات من القرن العشرين، وربما حتى الآن، والمهمة ما تزال المهمة ماثلة؛ كيف الوصول إلى مزيد من قدرة الاتصال بالناس، وأي تجريب أدبي- لغوي يمكن أن يؤدي هذا الهدف؟!
السؤال ما يزال مطروحاً، والإجابة عليه بمزيد من محاولات التجريب.

حسيب كيالي مثال لهذا التجريب، أو التجديد، فقد كانت لغة الناس اليومية، وبكل "فصاحتها" وكل طرق بيانها، وكل ما فيها من ظلال وعفوية وبراءة وخبث وسخرية وألم وتلميحات ذكية هو ما أضافه حسيب كيالي إلى القصة السورية القصيرة ولغتها تحديداً.
خلص حسيب كيالي السرد القصصي من بلاغته القديمة، والمشهد القصصي من دراميته وجديته وعبوسه ، واللغة من معاطفها البالية المترهلة، مثلما أدخل القصة القصيرة رحابة الحياة اليومية بناسها البسطاء، لكن الأذكياء على طريقتهم، والساخرين، لكن بلغتهم ولهجاتهم ومشكلاتهم، بعفويتهم ضحكهم النقي، بتحايلاتهم ومكرهم اللماح في السلوك والحديث، ولهذا فلا عجب أن يكون عنوانا مجموعتي حسيب كيالي الأوليتين "مع الناس" و "أخبار من البلد" فهكذا تصبح القصة عيشاً مع الناس، وإخباراً عن البلد الذين يحتاج إلى قلم، أو لسان، يخبر عنه.
إضافة إلى اللغة الشعبية ومعها، وربما من خلالها، قدم حسيب كيالي "السخرية" عيناً ينظر من خلالها إلى الواقع، والسخرية هي الجانب المرح من الإنسان، الجانب الذي يدرك الوجه الآخر للحياة، الوجه الذي يقول إن الحياة ليست مأساة فقط، بل ثمة جانب مرح لطيف يستحق الحياة والابتسام، السخرية والضحك يخففان من غلوائنا ومن عبوسنا، ويهدئان من مخاوفنا ، وربما يكون هذا الجانب "السخرية" إلى جانب اللغة من أهم إضافات حسيب كيالي إلى الأدب القصصي العربي".